الصوفية جسر للفهم والتلاقي بين الأديان والثقافات المختلفة في منطقة جنوب شرق آسيا
تعتبر الصوفية من التيارات الدينية والروحية الهامة التي تشكل جزءا أساسيا من التراث الإسلامي في جنوب شرق آسيا. تاريخياً، تأثرت البلدان في جنوب شرق آسيا و خاصة ماليزيا بالصوفية منذ قرون طويلة، وشهدت انتشاراً واسعاً للمدارس والطرق الصوفية في جميع أنحاء المنطقة.
وقد ساهمت العديد من الطرق الصوفية في إثراء الحياة الروحية والثقافية في المنطقة، وتشكلت مدارس صوفية معروفة مثل الأحمدية الإدريسية والشاذلية والنقشبندية والرفاعية و نخص بالذكر الطريقة الأحمدية الإدريسية .
كما أن الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية ذات الأصول الناصرية الشادلية المغربية، من الطرق الصوفية التي جسدت الاتجاه السلوكي التربوي في التصوف بامتياز، تربى في ظلها المريدون حتى تحصل لهم الترقية الروحية والنفسية، والتي ترمي إلى معرفة الله جل جلاله، واستجلاب محبته بإخلاص العبودية له.
وإن شيخ الإسلام محمد فؤاد بن كمال الدين الذي يتبع أسلوب الإمام سيدي أحمد بن إدريس الفاسي في منهاجيته الفكرية و الدينية ، المعروفة باسم الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية، واحدة من النهج الفقهية والعقدية البارزة التي أثرت في التفكير الإسلامي الكلاسيكي،حيث يشتهر هذا النهج بدراسة الفقه والسلوك الديني بالطريقة الفلسفية، مما ساهم في تصحيح الفهم الديني وتعزيز قيم التسامح والاحترام بين الناس.
تأتي أهمية الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية من قدرتها على تقديم أفكار دينية معاصرة ومرنة، تنسجم مع الظروف الاجتماعية والثقافية الراهنة، مما يجعلها قادرة على استيعاب التحديات الحديثة وتقديم حلول مناسبة لها. علاوة على ذلك، تساهم الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية في تعزيز قيم الوسطية والاعتدال في الدين، مما يسهم في تفعيل دور الدين في بناء مجتمعات متقدمة ومتوازنة. باختصار، الطريقة المحمدية الأحمدية الإدريسية تعد عنصراً أساسياً في تنويع وتطوير الفكر الإسلامي، ويشكل جسراً مهماً للتواصل بين الماضي والحاضر، مع الحفاظ على جوهر الدين وروحه الإنسانية في الوقت نفسه.
بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الفنون والموسيقى والأدب في جنوب شرق آسيا بالصوفية، وعكست القصائد الصوفية والأدب الصوفي القيم الروحية والإنسانية العميقة لهذا التيار الديني. وبدورها، تعتبر الصوفية عنصراً أساسياً في الهوية الثقافية والدينية للمسلمين في ماليزيا، وتشكل جزءاً مهماً من تراثهم الروحي والثقافي الغني ، و من أبرز تجليات تأثر الفنون والموسيقى والأدب بالصوفية في ماليزيا هو تنظيم حفل ديني حضره على الخصوص، التانكو محرز بن المرحوم التانكو منور سلطان ولاية نجري سامبيلان ، استهل بتلاوة جماعية لآيات بينات من الذكر الحكيم وقراءة الأمداح النبوية على الطريقة المغربية الأصيلة بمناسبة عيد ميلاده الواحد و السبعون لسلطان نيجري سامبيلان و هو يوم وطني له طعم خاص (تفاصيل الحفل الديني ).
تعتبر التعاليم الصوفية جزءًا حيويًا من الثقافة والتاريخ في جنوب شرق آسيا. تمتزج المبادئ الصوفية بالتقاليد والعادات المحلية للمنطقة، مما أدى إلى نهضة حركة الصوفية وانتشارها بشكل كبير في هذه البقعة من العالم.
باختصار، تعتبر الصوفية جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي في جنوب شرق آسيا، حيث تعد جسرًا للفهم والتلاقي بين الأديان والثقافات المختلفة في المنطقة.
و من تجليات تاثير الصوفية في مناحي الحياة العامة في دولة ماليزيا نجد صرح معماري عظيم تحت اسم “أستاكا موروكو ASTAKA MOROCCO “ويمتد هذا الجناح المغربي على مساحة 18 ألف قدم مربع، وتم بناؤه في مدة عامين.
ويجسد تصميمه جمال العمارة المغربية الممزوجة بالثقافة والتراث الإسلامي،حيث تم استيراد المواد من المغرب وتم إشراك الحرفيين المغاربة المهرة أيضًا للحفاظ على الأصالة الثقافية،تكرارًا للسمات المميزة لأقدم المدن الإمبراطورية في المغرب، تم تزيين ترتيبات الفسيفساء الملونة والفنية للجناح بالإضافة إلى كل سطح ملموس للمبنى بنقوش معقدة من الأنماط الهندسية والخط العربي والزخارف المغربية.
في النهاية، فإن الصوفية في جنوب شرق آسيا تمثل عنصرًا أساسيًا من عناصر الهوية الإسلامية في المنطقة، وهي تجسد قيم التسامح والصلح التي تشكل أساسًا للعلاقات الإنسانية السلمية والبناءة في هذا الجزء من العالم.