صفة “ذو الوجهين” من الشخصيات التي ذمها الإسلام وحذر منها لأنها تحمل نفاقا خبيثا وتظهر خلاف ما تبطن و هم كثر للأسف نجدهم في كل المجتمعات و للأسف نجدها في بعض أبناء جلدتنا.
من يأتي إلى طرفين متنافسين فيظهر للطائفة الأولى المحبة والصدق الزائف و المساندة ويمتدح فعلهم ويقدح في فعل الطائفة الأخرى ويظهر مخالفتهم ثم يذهب للطائفة الأخرى ويظهر لهم المودة والمحبة والولاء ويمتدح عملهم ويقدح في الطائفة الأخرى.
و من صفات ذي الوجهين (أو ذي المعطفين أو صاحب القميصين) أن يظهر مودته لك لأجل مصلحة أو مجاملة فإذا ما خرج من عندك أو انتهت المصلحة ذمك وأظهر للناس عيوبك،و يتعامل مع الناس بحسب مصلحته لا بحس بالواقع والحق،و يغلب طبعه المجاملة لأجل تحقيق المنافع لا على سبيل الصدق كالمهرج الفاشل الذي يضحك إلا أمثاله .
وتنتشر هذه الصفة في الأشخاص ضعيفي الشخصية أو المنتفعين،ومن قبيح هذه الصفة أنه يفعل هذا أحيانا ويظهر أنه من أهل الوطن الأم التي يتظاهر بها لحين قضاء مصالحه؛ فإذا عاشر أهل بلد الأصل أظهر لهم الصلاح والتقوى والوقوف عند حدود الله ثم إذا عاشر الفساق أظهر لهم الفجور والفواحش وتباهى بالسيئات ليستميل كل له ويتقرب للغير بما يحبون لا بما يحب الله منه.
إن التلون والتغير بحسب الأهواء والمصالح ضرب من ضروب النفاق الاجتماعي الذي لا يقره الدين وتنكره الطباع السوية، وهي صفة من كبائر الذنوب التي ورد فيها الذم والوعيد لما تشتمل عليه من الكذب والخداع وهي من صفات النفاق وقد ورد في سنن أبي داود: (من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار).
وقد شاع الاتصاف بهذه الصفة أيضا في العلاقات الاجتماعية بإبداء المشاعر المزيفة من الحب والكره والمجاملة التي تفوق حد القبول الاجتماعي وتصير لونا من النفاق والخداع ولهذا نهى عنها رسولنا الكريم .
أغراض ذي الوجهين أو صاحب المعطفين أو القميصين تنحصر غالبا في تحقيق مصالح شخصية والتكسب والحب المراوغة باحتضانه مثلا لمهرجان مراكش للضحك الذي يدر عليه الملايين من السنتيمات أو ربما ملايين الدولارات و بعدها يرجع لاستثمار أمواله في بلد الاستقبال الذي لا يراه إلا مهاجرا و مواطنا بئيسا من الدرجة الثانية حتى إن أظهر الولاء فلن يتزحزح من رف الدونية الأوروبية الكاذبة .
فذو الوجهين إذًا شخصيته مضطربة وقيمه مهزومة فهو ضعيف الشخصية يكتسب قوته من ثناء الناس عليهم وحبه له وتكثير الناس من حوله لكن مع هذا عمره ضئيل فسرعان ما يعرف ويفضح ويتقيه الناس وينقلب حبهم له كرها مودتهم له عداء كونه متأرجح يتمايل على حسب المصالح تافه لا فأمره مكشوف عند أهل الفراسة والعقل وإن تخفى وراء الأقنعة المزيفة وسيفضحه الله يوم القيامة في أعظم مشهد ، و هنا فقد فضحه الله في الدنيا قبل الآخرة بدولة قطر الشقيقة بمظهر مشمئز يحاول استمالة الفريقين، و لكن هيهيات فقد اتضح أمرك أيها الانتهازي البئيس المتنكر لأصلك.
و من هنا وجب الوقوف لمثل هؤلاء الانتهازيين أصحاب المواقف المزدوجة، و لا يجب أن ننسى مقولة ملكنا الغالي : “وبروح المسؤولية، نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع؛ فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي، وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة؛ فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن”.
ومن الحكمة عدم التعامل مع مثل هؤلاء؛ فلا يؤتمن على سر ولا يؤتمن في مسئولية؛ ولذلك ورد في الأدب المفرد للبخاري قوله صلى الله عليه وسلم: (لاينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا).